< لا يخفى على احد بان العقود الأخيرة شهدت اعترافاً متزايدا، بالدور الطليعي والمميز الذي لعبته المرأة في المجتمع وخصوصا بالمجتمعات العربية، وقد أنعكس هذا الاهتمام في نشاطات الأمم المتحدة، حيث دعا المجلس الاقتصادي الاجتماعي في قراره بالعام 1990 إلى مشاركة المرأة في هياكل السلطة ومواقع صنع القرار بنسبة 30 % والعمل على تعبئة المجتمع رجالاً ونساء وتوعيته للقيام بتغيير المواقف المجتمعية السلبية المتحيزة ضد المرأة ودورها في صنع القرار. وتبنى المجلس آليات وإجراءات تمكن المرأة من إنجاز ذلك العمل وتعزيز دورها بمجتمعها، وجاء في مناهج عمل بكين عام 1995 ليؤكد من جديد على قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
أما على الصعيد السياسي، فقد أدى الانفراج السياسي أواخر الثمانينات إلى بدأ مسيرة التحول الديمقراطي، حيث عادت الحياة النيابية بعد فترة طويلة من الانقطاع وتم السماح للعمل العلني للأحزاب السياسية وبدأ المجتمع المدني يلعب دوراً ديناميكياً في الحياة العامة في المجتمعات العربية. كذلك، فعلى الصعيد الاجتماعي، فقد انتشر التعليم بمستوياته المختلفة وانحسرت الأمية إلى مستوى متدن، وحدثت تغيرات كبيرة على بنية الأسرة، حيث أصبحت الأسرة النووية الأكثر شيوعاً.
ومما لا شك فيه، أن من أبرز التغيرات، تلك المتعلقة بواقع المرأة العربية. فقد حصلت تغيرات جذرية ومهمة على واقع المرأة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأن السمة الرئيسية بالنسبة للتغيرات التي حصلت على واقع المرأة هو التغير في الأدوار الجندرية للمرأة حيث بدأت تشغل المرأة مواقع لم تكن متاحة لها المشاركة بها سابقاً ودخلت المرأة الحياة العامة بكافة جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأصبحت مساهمة وفاعلة ومشاركة بكل هذه الأبعاد.
لذلك بدا ظهور الحركات النسويه في المجتمعات العربية مع بداية الفكر النهضوي الإصلاحي العربي كرد فعل طبيعي على الإقصاء السياسي الاجتماعي الذي عانت منه المرأة العربية لفترة طويلة من الزمن. وقد ارتبطت المنظمات النسويه في بداياتها بالعمل الخيري الإنمائي إلى أن أصبحت التنمية وموضوعات حقوق المرأة تشكل محور اهتمام معظم المنظمات النسائية وأصبح لها رؤية واضحة ومحددة مفادها تعزيز وضع المرأة العربية وتحسين أوضاعها العامة بالرغم من أن الأجندة النسوية عبر تاريخها كانت تختلط بالهم القومي والسياسي إلا أنها سجلت تعاوناً وثيقا مع الدولة التي تنتمي إليها ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
فجاءت مرحلة الاستقلال وهي مرحلة نضال الحركة النسائية عموماً لتحصيل حقوق المرأة حيث كان لانفتاح المنظمات النسائية على نظيراتها من المنظمات النسويه في العام ومشاركة هذه المنظمات في المؤتمرات الدولية حول قضايا المرأة أثراً مهما في زيادة وهي هذه المنظمات وبطبيعة اهتمامات الحركات النسويه العالمية، الأمر الذي أنتج وعياً تقدمياً لقضايا المرأة.
حيث حدثت تغيرات أساسية بواقع المرأة الاقتصادية وبالتالي بأدوارها في العقود الثلاثة المنصرمة. حيث بدأت بالمشاركة الاقتصادية الفاعلة في الأنشطة غير التقليدية (غير الزراعية)، علماً بأن المرأة كانت دوماً فاعلاً اقتصادياً مهماً في النمط الزراعي والرعوي). وكذلك تدل المؤشرات من منظمات العمل العربية والدولية على أن نسبة المشاركة في النشاط الاقتصادي قد تضاعفت تقريباً عما كانت عليه في السابق وتنوعت هذه المشاركة لتطال كافة الأنشطة الاقتصادية التي كانت حكراً في السابق على الرجال وشاركت المرأة في كافة أنواع المهن والتخصصات كالطب والهندسة والإدارة والتعليم وغيرها وبذلك تكون المرأة قد طرقت أبواباً كانت مغلقة بالسابق أمامها. وبالرغم من كل هذه التغيرات المهمة على واقع المرأة العربية الاقتصادي، فإنه لا زال هنالك بعض الجوانب المرتبطة سلبياً بهذا الواقع.
ومن أهم هذه المسائل، هو التفاوت بينها وبين الذكور في العديد من النواحي كارتفاع نسبة البطالة لدى الإناث. وخاصة المتعلمة منها، وعدم المساواة في الأجور وتركز المرأة في قطاعات العمل التقليدية.
لذلك تكمن أهمية مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية في أوجه عدة،ومن أهمها مساهمة المرأة بالمشاركة في أحداث النمو والتنمية كطرف فاعل ونشط وكذلك، في توفير الدعم المالي لها وللأسرة معاً. ولكن الأهم من ذلك هو انعكاس العمل ونتائجه على المرأة نفسها.
بالإضافة إلى أن عمل المرأة يؤدي إلى زيادة خبرتها وثقتها بنفسها، فإنه أيضاً يعمل على تمكينها الاقتصادي وتأمين درجة من الاستقلالية والحرية الشخصية لها وبالتالي المساهمة في جعلها مواطناً أكثر وعياً وفعالية.
وتعتبر مشاركة المرأة في الحياة السياسية من التغيرات المهمة التي حدثت على واقع المرأة العربية بالرغم من تواضعه والبطء في درجة تغيره. حيث إن الواقع السياسي ينطوي ليس فقط على مشاركة مختلف جوانب الحياة السياسية وإنما أيضاً المشاركة في صنع القرار السياسي ينطوي ليس فقط على مشاركة في مختلف جوانب الحياة السياسية وإنما أيضاً المشاركة في صنع القرار المرتبط بالقضايا المجتمعية العامة والقضايا الخاصة بمصالح الفئات الاجتماعية المختلفة ومن ضمنها المرأة.
كذلك، فإن المجال السياسي يعتبر الأهم بسبب ارتباطه بالأبعاد الأخرى التعليمية والصحية والاقتصادية وعلاقته المباشرة في التنمية السياسية بشكل عام.
وإذا ما استعرضنا وبشكل سريع واقع المرأة في الحياة السياسية، فإننا نجد هناك خطوات هامة تم إنجازها وهناك خطوات أهم لا زالت بالانتظار، فمنذ أن أصبحت المرأة متساوية مع الرجل في حقها بالانتخاب والترشيح وممارسة العمل السياسي بشكل عام، حصلت تغييرات بسيطة وجوهرية على واقع المرأة السياسي. فيوجد اليوم مئات النساء في المجالس البرلمانية العربية وكذلك في المناصب التنفيذية العليا (الوزارة) حيث يوجد العشرات من النساء في المجالس الوزارية العربية. كما تشير المعلومات إلى أن نسبة وجود المرأة في المناصب العليا بالمؤسسات العامة هي في ارتفاع عما كانت عليه في السابق. أما على صعيد المجالس البلدية والقروية فإن نسبة النساء في هذه المجالس البلدية هي أكثر من الربع بقليل.
وكذلك، فقد بدأت تشق طريقها في السلك القضائي وعلى أعلى المستويات. صحيح أن هذه الزيادة في مشاركة المرأة السياسية هي بالأساس إما عن طريق التعيين أو الكوتا، إلا أن ذلك لا يقلل من الأهمية التي تكتسبها هذه المشاركة والتي تنطوي على حق وقدرة المرأة على المشاركة وبفعالية في كثير من الأحيان وانعكاساتها الإيجابية على المرأة والمجتمع.
إن هذا الواقع يؤكد حق المشاركة من جانب وتشير إلى الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه المرأة من خلال هذه المشاركة وكنموذج يحتذى للمرأة العربية بشكل عام. وفي درجة المشاركة الشعبية، فإن مشاركة المرأة العربية متدنية أو تكاد تكون شبه غائبة من الحياة الحزبية، فباستثناء التواجد المحدود للمرأة في الهيئات التأسيسية الحزبية المختلفة، فهي ليس لها مشاركة تذكر في العمل الحزبي وخاصة على مستوى القيادات الحزبية المهمة أو الفاعلة.
وتبدو الصورة أكثر إشراقاً إذا ما نظرنا إلى مشاركة المرأة في المنظمات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني حيث أن المشاركة العددية والفعلية للمرأة بهذا القطاع تنطوي على ديناميكية وفعالية عالية.
أما فيما يتعلق بالنظام الأسري، فمما لا شك فيه أن النظام الأبوي الذي يقوم على الهرمية وتفوق الرجال ودونية النساء آخذ في التراجع ولكنه لا يزال موجود وفي مناطق معينة أكثر من غيرها.
ولكن تشير الدلائل على أن هناك تغيرات مهمة حصلت على واقع المرأة بالمجال الأسري، فقد أصبحت غالبية النساء تعيش في نمط الأسرة النووي وانخفضت نسبة الخصوبة ومعدلات الإنجاب وبالتالي حجم أسرة أصغر أو أقل.
كذلك فتشير الدراسات إلى أن مساهمة المرأة في الحياة الأسرية وخاصة الاقتصادية قد ازدادت عن السابق وأصبحت المرأة تساهم بشكل أساسي في عملية صنع القرار داخل الأسرة في كافة القضايا المتعلقة بحياتها الشخصية والأسرية والزوجية. إن كل هذه التغيرات، قد أدت إلى ارتفاع مكانة المرأة داخل الأسرة وبالمجتمع بشكل عام.
وفي سياق استعراض واقع المرأة الاجتماعي، فلا بد من الإشارة أيضاً إلى المشكلات الاجتماعية التي باتت تعاني منها المرأة العربية نتيجة للتغيرات التي شهدها واقع المرأة من جانب والتوترات بين الأدوار الجديدة والتقليدية السائدة في المجتمعات العربية. ومن أهم المشاكل التي تعاني منها المرأة العربية هو العنف ضد المرأة والطلاق وما يترتب عليه من مشاكل مالية واجتماعية ونفسية تضعف قدرة المرأة على لعب دور فاعل في الحياة العامة بشكل عام والسياسة بشكل خاص.
وتشير البيانات المحدودة والدراسات الصادرة من مؤسسات حقوقيه عربيه إلى أن المرأة تتعرض لأشكال مختلفة من العنف ابتدءا من العنف الجسدي كالضرب والركل وبالأساليب المختلفة المتاحة أو العنف الجنسي والذي تؤكد الدراسات بأنه بارتفاع سريع ويشكل أحد أهم أشكال العنف الموجه للمرأة، أو العنف النفسي أو اللفظي والإهانات النفسية بأشكالها المختلفة مثل: الشتم والتحقير والصراخ وغيرها.
ومن أهم أشكال العنف الذي تواجهه المرأة هو القتل بدوافع أو دواعي الشرف ناهيك عن العنف الاقتصادي والصحي. كذلك، فقد أضحت مشكلة الطلاق من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها المجتمعات العربية بانعكاساتها المختلفة على الأسرة ولكن بشكل أساس على المرأة. ويعتبر الطلاق التعسفي (طلاق الزوج لزوجته دون علمها) من أحد أهم أشكال العنف الموجه للمرأة. ومن الضروري التأكيد هنا أن الآثار السلبية المترتبة على الطلاق للمرأة هي أعلى بكثير من تلك المترتبة على الرجل. حيث من الأرجح أن تتدنى مكانة المرأة المطلقة اقتصادياً واجتماعياً كما أن عبء رعاية الأطفال والذي غالباً ما يقع على المرأة قد يؤدي إلى حرمانها من إمكانية استئناف حياة أسرية جديدة بعكس الرجل.
لقد تم التأكيد على الارتباط الوثيق بين واقع المرأة واحتياجاتها ومصالحها. وفي هذا السياق، فإنه أيضاً لا يمكن إهمال دور التحولات العامة التي حصلت في المجتمعات العربية وأثرها على مصالح واحتياجات المرأة العربية ومن أهم النتائج المترتبة على هذا الواقع هو التباين والتعقيد الشديد في احتياجات المرأة العربية. فعلى سبيل المثال، فإن واقع المرأة الاقتصادي قد أدى إلى حدوث تفاوت في الاحتياجات الخاصة بالمرأة العاملة وتلك الخاصة بالمرأة والتعليم وتلك الخاصة بالنساء غير العاملات. كذلك فإن التفاوت بين الريف والحضر والفئات العمرية المختلفة قد أدى إلى بروز احتياجات خاصة بكل فئة من هذه الفئات. وبالتالي، فإن متطلبات السياسات الخاصة بالمرأة قد أصبحت أكثر تنوعاً مما كانت عليه. كذلك، فإن هذا التباين بالواقع والاحتياجات، قد بدأ يبين تفاوت في المصالح والأولويات. فعلى سبيل المثال، فإن مصالح وأولويات المرأة العاملة أو المتعلمة بدأت تتباين مع مصالح النساء غير العاملات أو ربات البيوت وأولئك غير المتعلمات هكذا بالرغم من وجود المصلحة المشتركة في العديد من الجوانب الأخرى.
أما فيما يتعلق بالتدريب والتأهيل فتواجه عملية التدريب مشكلات وعقبات خاصة فيما يتعلق بتدريب المرأة بشكل عام.
حيث لا زالت المفاهيم والمواقف الاجتماعية التقليدية تقف حائلا أمام دخول المرأة في العمل وخصوصاً التحاقها إلى برامج التدريب والتأهيل الفني بأشكاله وأنواعه. لذلك فإن تدريب الأيدي العاملة النسائية لزيادة كفاءتها وقدرتها يستوجب أن تترافق جهود المؤسسات الرسمية والتنظيمات النقابية والجمعيات النسويه وجهود الدولة لتأكيد الدور الكبير الذي يسهم انتساب المرأة لدورات التأهيل والتدريب ورفع مستوى إنتاجيتها وزيادة مردود عملها وذلك لمعالجة أهم مشكلة وهي عدم الاستغلال الكامل للموارد البشرية.
إن التغيرات التي شهدها واقع المرأة العربية يترتب عليها آثار مهمة من منظور توجهات واتجاهات التنمية السياسية في المجتمعات العربية وعلى إن التغيرات التي حصلت على واقع المرأة العربية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتغير الذي حصل على مكانتها يمكن اعتباره من العوامل الممكنة والمشجعة مما يفسح المجال أمام مشاركة سياسية فاعلة أكثر من أي وقت مضى. حيث لم تعد مشاركة المرأة السياسية شكل من أشكال الترف وإنما ضرورة ملحة من أجل الدفاع عن مصالح المرأة والمجتمع بمواقعها المختلفة والمساهمة في عملية التنمية السياسية بأبعادها المجتمعية أيضاً. حيث أن انتشار التعليم لدى الإناث ومشاركتها في الحياة العامة تفتح الباب واسعاً أمام مشاركتها في الحياة السياسية، ولكن من الصعب أن تكون هذه المشاركة فاعلة في ظل ضعف الحياة الحزبية بالمجتمعات العربية بشكل عام.
إن لضعف مشاركة المرأة في المجال السياسي انعكاسات ونتائج على التنمية السياسية حيث لا يمكن أن يكون هناك تنمية سياسية متكاملة دون مشاركة فاعلة من هذا القطاع المهم وبالتالي فإنه بات من الضروري تعميق هذه المشاركة وإيجاد الآليات المختلفة لزيادة مشاركتها. ومما لا شك فيه أن بعض جوانب الواقع الاجتماعي للمرأة العربية تعمل كمعوقات لزيادة مشاركتها. ولكن يمكن تجاوز هذه المعوقات إذا ما تم إحداث تغير جوهري على المستوى الوطني في الحياة السياسية.
إن واقع المرأة العربية لا زال ينطوي على أشكال مختلفة من عدم المساواة القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإنه لمن أهم أركان التنمية السياسية هي تحقيق المساواة بين أفراد وفئات المجتمع كافة. ولذلك، فإن استمرار التمييز ضد المرأة وعدم المساواة بين الجنسين مؤشر مهم على ضعف التنمية السياسية.
وبالتالي، فإن التنمية السياسية تتطلب العمل على إلغاء كافة أشكال التمييز القانوني ضد المرأة في كافة المجالات لأن الاستمرار بعدم المساواة يشكل ضعفاً شديداً بالتنمية السياسية ويجعل من مواطنة المرأة مواطنة هشة وضعيفة</TD></TR></TABLE>
</TD></TR></TABLE>[/center]
أما على الصعيد السياسي، فقد أدى الانفراج السياسي أواخر الثمانينات إلى بدأ مسيرة التحول الديمقراطي، حيث عادت الحياة النيابية بعد فترة طويلة من الانقطاع وتم السماح للعمل العلني للأحزاب السياسية وبدأ المجتمع المدني يلعب دوراً ديناميكياً في الحياة العامة في المجتمعات العربية. كذلك، فعلى الصعيد الاجتماعي، فقد انتشر التعليم بمستوياته المختلفة وانحسرت الأمية إلى مستوى متدن، وحدثت تغيرات كبيرة على بنية الأسرة، حيث أصبحت الأسرة النووية الأكثر شيوعاً.
ومما لا شك فيه، أن من أبرز التغيرات، تلك المتعلقة بواقع المرأة العربية. فقد حصلت تغيرات جذرية ومهمة على واقع المرأة الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأن السمة الرئيسية بالنسبة للتغيرات التي حصلت على واقع المرأة هو التغير في الأدوار الجندرية للمرأة حيث بدأت تشغل المرأة مواقع لم تكن متاحة لها المشاركة بها سابقاً ودخلت المرأة الحياة العامة بكافة جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأصبحت مساهمة وفاعلة ومشاركة بكل هذه الأبعاد.
لذلك بدا ظهور الحركات النسويه في المجتمعات العربية مع بداية الفكر النهضوي الإصلاحي العربي كرد فعل طبيعي على الإقصاء السياسي الاجتماعي الذي عانت منه المرأة العربية لفترة طويلة من الزمن. وقد ارتبطت المنظمات النسويه في بداياتها بالعمل الخيري الإنمائي إلى أن أصبحت التنمية وموضوعات حقوق المرأة تشكل محور اهتمام معظم المنظمات النسائية وأصبح لها رؤية واضحة ومحددة مفادها تعزيز وضع المرأة العربية وتحسين أوضاعها العامة بالرغم من أن الأجندة النسوية عبر تاريخها كانت تختلط بالهم القومي والسياسي إلا أنها سجلت تعاوناً وثيقا مع الدولة التي تنتمي إليها ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى.
فجاءت مرحلة الاستقلال وهي مرحلة نضال الحركة النسائية عموماً لتحصيل حقوق المرأة حيث كان لانفتاح المنظمات النسائية على نظيراتها من المنظمات النسويه في العام ومشاركة هذه المنظمات في المؤتمرات الدولية حول قضايا المرأة أثراً مهما في زيادة وهي هذه المنظمات وبطبيعة اهتمامات الحركات النسويه العالمية، الأمر الذي أنتج وعياً تقدمياً لقضايا المرأة.
حيث حدثت تغيرات أساسية بواقع المرأة الاقتصادية وبالتالي بأدوارها في العقود الثلاثة المنصرمة. حيث بدأت بالمشاركة الاقتصادية الفاعلة في الأنشطة غير التقليدية (غير الزراعية)، علماً بأن المرأة كانت دوماً فاعلاً اقتصادياً مهماً في النمط الزراعي والرعوي). وكذلك تدل المؤشرات من منظمات العمل العربية والدولية على أن نسبة المشاركة في النشاط الاقتصادي قد تضاعفت تقريباً عما كانت عليه في السابق وتنوعت هذه المشاركة لتطال كافة الأنشطة الاقتصادية التي كانت حكراً في السابق على الرجال وشاركت المرأة في كافة أنواع المهن والتخصصات كالطب والهندسة والإدارة والتعليم وغيرها وبذلك تكون المرأة قد طرقت أبواباً كانت مغلقة بالسابق أمامها. وبالرغم من كل هذه التغيرات المهمة على واقع المرأة العربية الاقتصادي، فإنه لا زال هنالك بعض الجوانب المرتبطة سلبياً بهذا الواقع.
ومن أهم هذه المسائل، هو التفاوت بينها وبين الذكور في العديد من النواحي كارتفاع نسبة البطالة لدى الإناث. وخاصة المتعلمة منها، وعدم المساواة في الأجور وتركز المرأة في قطاعات العمل التقليدية.
لذلك تكمن أهمية مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية في أوجه عدة،ومن أهمها مساهمة المرأة بالمشاركة في أحداث النمو والتنمية كطرف فاعل ونشط وكذلك، في توفير الدعم المالي لها وللأسرة معاً. ولكن الأهم من ذلك هو انعكاس العمل ونتائجه على المرأة نفسها.
بالإضافة إلى أن عمل المرأة يؤدي إلى زيادة خبرتها وثقتها بنفسها، فإنه أيضاً يعمل على تمكينها الاقتصادي وتأمين درجة من الاستقلالية والحرية الشخصية لها وبالتالي المساهمة في جعلها مواطناً أكثر وعياً وفعالية.
وتعتبر مشاركة المرأة في الحياة السياسية من التغيرات المهمة التي حدثت على واقع المرأة العربية بالرغم من تواضعه والبطء في درجة تغيره. حيث إن الواقع السياسي ينطوي ليس فقط على مشاركة مختلف جوانب الحياة السياسية وإنما أيضاً المشاركة في صنع القرار السياسي ينطوي ليس فقط على مشاركة في مختلف جوانب الحياة السياسية وإنما أيضاً المشاركة في صنع القرار المرتبط بالقضايا المجتمعية العامة والقضايا الخاصة بمصالح الفئات الاجتماعية المختلفة ومن ضمنها المرأة.
كذلك، فإن المجال السياسي يعتبر الأهم بسبب ارتباطه بالأبعاد الأخرى التعليمية والصحية والاقتصادية وعلاقته المباشرة في التنمية السياسية بشكل عام.
وإذا ما استعرضنا وبشكل سريع واقع المرأة في الحياة السياسية، فإننا نجد هناك خطوات هامة تم إنجازها وهناك خطوات أهم لا زالت بالانتظار، فمنذ أن أصبحت المرأة متساوية مع الرجل في حقها بالانتخاب والترشيح وممارسة العمل السياسي بشكل عام، حصلت تغييرات بسيطة وجوهرية على واقع المرأة السياسي. فيوجد اليوم مئات النساء في المجالس البرلمانية العربية وكذلك في المناصب التنفيذية العليا (الوزارة) حيث يوجد العشرات من النساء في المجالس الوزارية العربية. كما تشير المعلومات إلى أن نسبة وجود المرأة في المناصب العليا بالمؤسسات العامة هي في ارتفاع عما كانت عليه في السابق. أما على صعيد المجالس البلدية والقروية فإن نسبة النساء في هذه المجالس البلدية هي أكثر من الربع بقليل.
وكذلك، فقد بدأت تشق طريقها في السلك القضائي وعلى أعلى المستويات. صحيح أن هذه الزيادة في مشاركة المرأة السياسية هي بالأساس إما عن طريق التعيين أو الكوتا، إلا أن ذلك لا يقلل من الأهمية التي تكتسبها هذه المشاركة والتي تنطوي على حق وقدرة المرأة على المشاركة وبفعالية في كثير من الأحيان وانعكاساتها الإيجابية على المرأة والمجتمع.
إن هذا الواقع يؤكد حق المشاركة من جانب وتشير إلى الدور الفاعل الذي يمكن أن تلعبه المرأة من خلال هذه المشاركة وكنموذج يحتذى للمرأة العربية بشكل عام. وفي درجة المشاركة الشعبية، فإن مشاركة المرأة العربية متدنية أو تكاد تكون شبه غائبة من الحياة الحزبية، فباستثناء التواجد المحدود للمرأة في الهيئات التأسيسية الحزبية المختلفة، فهي ليس لها مشاركة تذكر في العمل الحزبي وخاصة على مستوى القيادات الحزبية المهمة أو الفاعلة.
وتبدو الصورة أكثر إشراقاً إذا ما نظرنا إلى مشاركة المرأة في المنظمات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني حيث أن المشاركة العددية والفعلية للمرأة بهذا القطاع تنطوي على ديناميكية وفعالية عالية.
أما فيما يتعلق بالنظام الأسري، فمما لا شك فيه أن النظام الأبوي الذي يقوم على الهرمية وتفوق الرجال ودونية النساء آخذ في التراجع ولكنه لا يزال موجود وفي مناطق معينة أكثر من غيرها.
ولكن تشير الدلائل على أن هناك تغيرات مهمة حصلت على واقع المرأة بالمجال الأسري، فقد أصبحت غالبية النساء تعيش في نمط الأسرة النووي وانخفضت نسبة الخصوبة ومعدلات الإنجاب وبالتالي حجم أسرة أصغر أو أقل.
كذلك فتشير الدراسات إلى أن مساهمة المرأة في الحياة الأسرية وخاصة الاقتصادية قد ازدادت عن السابق وأصبحت المرأة تساهم بشكل أساسي في عملية صنع القرار داخل الأسرة في كافة القضايا المتعلقة بحياتها الشخصية والأسرية والزوجية. إن كل هذه التغيرات، قد أدت إلى ارتفاع مكانة المرأة داخل الأسرة وبالمجتمع بشكل عام.
وفي سياق استعراض واقع المرأة الاجتماعي، فلا بد من الإشارة أيضاً إلى المشكلات الاجتماعية التي باتت تعاني منها المرأة العربية نتيجة للتغيرات التي شهدها واقع المرأة من جانب والتوترات بين الأدوار الجديدة والتقليدية السائدة في المجتمعات العربية. ومن أهم المشاكل التي تعاني منها المرأة العربية هو العنف ضد المرأة والطلاق وما يترتب عليه من مشاكل مالية واجتماعية ونفسية تضعف قدرة المرأة على لعب دور فاعل في الحياة العامة بشكل عام والسياسة بشكل خاص.
وتشير البيانات المحدودة والدراسات الصادرة من مؤسسات حقوقيه عربيه إلى أن المرأة تتعرض لأشكال مختلفة من العنف ابتدءا من العنف الجسدي كالضرب والركل وبالأساليب المختلفة المتاحة أو العنف الجنسي والذي تؤكد الدراسات بأنه بارتفاع سريع ويشكل أحد أهم أشكال العنف الموجه للمرأة، أو العنف النفسي أو اللفظي والإهانات النفسية بأشكالها المختلفة مثل: الشتم والتحقير والصراخ وغيرها.
ومن أهم أشكال العنف الذي تواجهه المرأة هو القتل بدوافع أو دواعي الشرف ناهيك عن العنف الاقتصادي والصحي. كذلك، فقد أضحت مشكلة الطلاق من المشاكل الرئيسية التي يعاني منها المجتمعات العربية بانعكاساتها المختلفة على الأسرة ولكن بشكل أساس على المرأة. ويعتبر الطلاق التعسفي (طلاق الزوج لزوجته دون علمها) من أحد أهم أشكال العنف الموجه للمرأة. ومن الضروري التأكيد هنا أن الآثار السلبية المترتبة على الطلاق للمرأة هي أعلى بكثير من تلك المترتبة على الرجل. حيث من الأرجح أن تتدنى مكانة المرأة المطلقة اقتصادياً واجتماعياً كما أن عبء رعاية الأطفال والذي غالباً ما يقع على المرأة قد يؤدي إلى حرمانها من إمكانية استئناف حياة أسرية جديدة بعكس الرجل.
لقد تم التأكيد على الارتباط الوثيق بين واقع المرأة واحتياجاتها ومصالحها. وفي هذا السياق، فإنه أيضاً لا يمكن إهمال دور التحولات العامة التي حصلت في المجتمعات العربية وأثرها على مصالح واحتياجات المرأة العربية ومن أهم النتائج المترتبة على هذا الواقع هو التباين والتعقيد الشديد في احتياجات المرأة العربية. فعلى سبيل المثال، فإن واقع المرأة الاقتصادي قد أدى إلى حدوث تفاوت في الاحتياجات الخاصة بالمرأة العاملة وتلك الخاصة بالمرأة والتعليم وتلك الخاصة بالنساء غير العاملات. كذلك فإن التفاوت بين الريف والحضر والفئات العمرية المختلفة قد أدى إلى بروز احتياجات خاصة بكل فئة من هذه الفئات. وبالتالي، فإن متطلبات السياسات الخاصة بالمرأة قد أصبحت أكثر تنوعاً مما كانت عليه. كذلك، فإن هذا التباين بالواقع والاحتياجات، قد بدأ يبين تفاوت في المصالح والأولويات. فعلى سبيل المثال، فإن مصالح وأولويات المرأة العاملة أو المتعلمة بدأت تتباين مع مصالح النساء غير العاملات أو ربات البيوت وأولئك غير المتعلمات هكذا بالرغم من وجود المصلحة المشتركة في العديد من الجوانب الأخرى.
أما فيما يتعلق بالتدريب والتأهيل فتواجه عملية التدريب مشكلات وعقبات خاصة فيما يتعلق بتدريب المرأة بشكل عام.
حيث لا زالت المفاهيم والمواقف الاجتماعية التقليدية تقف حائلا أمام دخول المرأة في العمل وخصوصاً التحاقها إلى برامج التدريب والتأهيل الفني بأشكاله وأنواعه. لذلك فإن تدريب الأيدي العاملة النسائية لزيادة كفاءتها وقدرتها يستوجب أن تترافق جهود المؤسسات الرسمية والتنظيمات النقابية والجمعيات النسويه وجهود الدولة لتأكيد الدور الكبير الذي يسهم انتساب المرأة لدورات التأهيل والتدريب ورفع مستوى إنتاجيتها وزيادة مردود عملها وذلك لمعالجة أهم مشكلة وهي عدم الاستغلال الكامل للموارد البشرية.
إن التغيرات التي شهدها واقع المرأة العربية يترتب عليها آثار مهمة من منظور توجهات واتجاهات التنمية السياسية في المجتمعات العربية وعلى إن التغيرات التي حصلت على واقع المرأة العربية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتغير الذي حصل على مكانتها يمكن اعتباره من العوامل الممكنة والمشجعة مما يفسح المجال أمام مشاركة سياسية فاعلة أكثر من أي وقت مضى. حيث لم تعد مشاركة المرأة السياسية شكل من أشكال الترف وإنما ضرورة ملحة من أجل الدفاع عن مصالح المرأة والمجتمع بمواقعها المختلفة والمساهمة في عملية التنمية السياسية بأبعادها المجتمعية أيضاً. حيث أن انتشار التعليم لدى الإناث ومشاركتها في الحياة العامة تفتح الباب واسعاً أمام مشاركتها في الحياة السياسية، ولكن من الصعب أن تكون هذه المشاركة فاعلة في ظل ضعف الحياة الحزبية بالمجتمعات العربية بشكل عام.
إن لضعف مشاركة المرأة في المجال السياسي انعكاسات ونتائج على التنمية السياسية حيث لا يمكن أن يكون هناك تنمية سياسية متكاملة دون مشاركة فاعلة من هذا القطاع المهم وبالتالي فإنه بات من الضروري تعميق هذه المشاركة وإيجاد الآليات المختلفة لزيادة مشاركتها. ومما لا شك فيه أن بعض جوانب الواقع الاجتماعي للمرأة العربية تعمل كمعوقات لزيادة مشاركتها. ولكن يمكن تجاوز هذه المعوقات إذا ما تم إحداث تغير جوهري على المستوى الوطني في الحياة السياسية.
إن واقع المرأة العربية لا زال ينطوي على أشكال مختلفة من عدم المساواة القانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإنه لمن أهم أركان التنمية السياسية هي تحقيق المساواة بين أفراد وفئات المجتمع كافة. ولذلك، فإن استمرار التمييز ضد المرأة وعدم المساواة بين الجنسين مؤشر مهم على ضعف التنمية السياسية.
وبالتالي، فإن التنمية السياسية تتطلب العمل على إلغاء كافة أشكال التمييز القانوني ضد المرأة في كافة المجالات لأن الاستمرار بعدم المساواة يشكل ضعفاً شديداً بالتنمية السياسية ويجعل من مواطنة المرأة مواطنة هشة وضعيفة</TD></TR></TABLE>
</TD></TR></TABLE>[/center]